motansh.4.ever

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما هو جديد وحصرى تحت اشعار رسمى


    اهمية الاستغفار وفوائدة

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 17
    تاريخ التسجيل : 04/09/2010
    العمر : 37
    الموقع : من بلد المتنصحين

    اهمية الاستغفار وفوائدة Empty اهمية الاستغفار وفوائدة

    مُساهمة  Admin الخميس سبتمبر 09, 2010 12:26 pm

    أهَميَّةُ الاستغفار ِوفوائِدُهُ



    جمع وإعداد
    الباحث في القرآن والسنة

    علي بن نايف الشحود



    الطبعة الثانية
    ماليزيا
    (( بهانج – دار المعمور ))

    حقوق الطبع لكل مسلم
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين،القائل في محكم كتابه العزيز { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)} [هود/3]
    والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    فقد ورد الحثُّ على الاستغفار في القرآن الكريم والسنَّة النبوية،وذلك لحاجة الإنسان إليه في كل وقت،لتقصيره في الطاعات،ووقوعه في معصية الله تعالى .
    فجاء الاستغفار ليعالج هذا النقص عند الإنسان،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ:إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ:بِعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لاَ أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتِ الأَرْوَاحُ فِيهِمْ،فَقَالَ لَهُ اللَّهُ:فَبِعِزَّتِي وَجَلاَلِي لاَ أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي..
    هذا وقد قسمته إلى ثلاثة أبواب وخلاصة :
    الباب الأول= الاستغفار في القرآن الكريم ، وفيه ثلاثة عشر مبحثاً
    أولا: تأميل الراجين وتأنيس المذنبين بمغفرته سبحانه لأنه هو الغفور الغفار:
    ثانيا: أمر اللّه بالاستغفار:
    ثالثا: دعوة الأنبياء والصالحين أقوامهم للاستغفار:
    رابعا: الاستغفار من صفات الأنبياء والصالحين:
    خامسا: الاستغفار يكون للنفس وللغير:
    سادسا: غفران اللّه عز وجل (قبول الاستغفار) يرتبط بالتوبة والعمل الصالح:
    سابعا: الاستغفار المقبول يرتبط بمشيئة اللّه- عزّ وجلّ-:
    ثامنا: قبول الاستغفار يكون للمؤمنين والمتقين:
    تاسعا: قبول الاستغفار يكون للكافر إذا أسلم وحسن إسلامه وللعاصي إذا تاب :
    عاشرا: لا يقبل اللّه استغفارا من مشرك أو منافق:
    حادي عشر: الأوقات المفضلة للاستغفار:
    ثاني عشر: أثر الاستغفار في الدنيا منع العذاب- استجلاب الرحمة- الإمداد بالأموال والبنين):
    ثالث عشر: البشارة بالمغفرة ودخول الجنة في الآخرة:
    الباب الثاني= الحث على الاستغفار في السنَّة النبوية ، وفيه أكثر من ستين حديثاً
    الباب الثالث= الخلاصة في أحكام الاستغفار ، وفيه سبعة مباحث
    المبحث الأول-تعريفه
    المبحث الثاني-الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلاِسْتِغْفَارِ
    المبحث الثالث-أفضلُ صيغه
    المبحث الرابع-اسْتِغْفَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
    المبحث الخامس-أوقاتُ الاستغفار الزمانية والمكانية
    المبحث السادس-الاستغفارُ سنَّة الأنبياء والمرسلين
    المبحث السابع-أهم فوائد الاستغفار
    وقد حاولت استقصاء ما ورد في القرآن والسنَّة حول هذا الموضوع،وقمت بشرح الآيات بشكل مختصر،وغالبها من التفسير الميسر،وقمت بتخريج الأحاديث بشكل مختصر من مظانها،وذكرت مصادر البحث في آخره.
    والجديد هو فرز الآيات المتعلقة بالاستغفار إلى موضوعات،وذكر الأحاديث التي تحث على الاستغفار،وقد تكرر، بعضها في أمكنة أخرى حسب الاستدلال بها .
    كما أن فيه خلاصة عن فوائد الاستغفار ..
    وقد استفدت في تقسيم الآيات من موسوعة نضرة النعيم .
    أسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه،وقارئه وناشره في الدارين آمين .
    قال تعالى:{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} [آل عمران/133-136]
    جمعه وأعده
    الباحث في القرآن والسنَّة
    علي بن نايف الشحود
    في 8 شعبان 1429هـ الموافق ل 10/8/2008 م
    وعدل تعديلاً جذريًّا بتاريخ 3 رمضان 1439 هـ الموافق ل 24/8/2009 م


    !!!!!!!!!!!!!!
    الباب الأول
    الاستغفار في القرآن الكريم

    أولا: تأميل الراجين وتأنيس المذنبين بمغفرته سبحانه لأنه هو الغفور الغفار:
    هناك آيات كثيرة نذكر منها :
    قال تعالى :{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (58) سورة البقرة
    واذكروا نعمتنا عليكم حين قلنا: ادخلوا مدينة "بيت المقدس" فكلوا من طيباتها في أي مكان منها أكلا هنيئًا،وكونوا في دخولكم خاضعين لله،ذليلين له،وقولوا: ربَّنا ضَعْ عنَّا ذنوبنا،نستجب لكم ونعف ونسترها عليكم،وسنزيد المحسنين بأعمالهم خيرًا وثوابًا.
    وقال تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (173) سورة البقرة
    إنما حرم الله عليكم ما يضركم كالميتة التي لم تذبح بطريقة شرعية،والدم المسفوح،ولحم الخنزير،والذبائح التي ذبحت لغير الله.ومِنْ فَضْلِ الله عليكم وتيسيره أنه أباح لكم أكل هذه المحرمات عند الضرورة.فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء منها،غير ظالم في أكله فوق حاجته،ولا متجاوز حدود الله فيما أُبيح له،فلا ذنب عليه في ذلك.إن الله غفور لعباده،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(182)} سورة البقرة
    فرض الله عليكم إذا حضر أحدكم علامات الموت ومقدماته -إن ترك مالا- الوصية بجزء من ماله للوالدين والأقربين مع مراعاة العدل; فلا يدع الفقير ويوصي للغني،ولا يتجاوز الثلث،وذلك حق ثابت يعمل به أهل التقوى الذين يخافون الله.وكان هذا قبل نزول آيات المواريث التي حدَّد الله فيها نصيب كل وارث.
    فمَن غَيَّر وصية الميت بعدما سمعها منه قبل موته،فإنما الذنب على مَن غيَّر وبدَّل.إن الله سميع لوصيتكم وأقوالكم،عليم بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق والعدل أو الجور والحيف،وسيجازيكم على ذلك.
    فمَن علم مِن موصٍ ميلا عن الحق في وصيته على سبيل الخطأ أو العمد،فنصح الموصيَ وقت الوصية بما هو الأعدل،فإن لم يحصل له ذلك فأصلح بين الأطراف بتغيير الوصية; لتوافق الشريعة،فلا ذنب عليه في هذا الإصلاح.إن الله غفور لعباده،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (218) سورة البقرة
    إن الذين صَدَّقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا ديارهم،وجاهدوا في سبيل الله،أولئك يطمعون في فضل الله وثوابه.والله غفور لذنوب عباده المؤمنين،رحيم بهم رحمة واسعة.
    وقال تعالى:{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (226) سورة البقرة
    للذين يحلفون بالله أن لا يجامعوا نساءهم،انتظار أربعة أشهر،فإن رجعوا قبل فوات الأشهر الأربعة،فإن الله غفور لما وقع منهم من الحلف بسبب رجوعهم،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (54) سورة الأنعام
    وإذا جاءك -أيها النبي- الذين صَدَّقوا بآيات الله الشاهدة على صدقك من القرآن وغيره مستفتين عن التوبة من ذنوبهم السابقة،فأكرِمْهم بردِّ السلام عليهم،وبَشِّرهم برحمة الله الواسعة; فإنه جلَّ وعلا قد كتب على نفسه الرحمة بعباده تفضلا أنه من اقترف ذنبًا بجهالة منه لعاقبتها وإيجابها لسخط الله -فكل عاص لله مخطئًا أو متعمدًا فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالمًا بالتحريم- ثم تاب من بعده وداوم على العمل الصالح،فإنه تعالى يغفر ذنبه،فهو غفور لعباده التائبين،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (119) سورة النحل
    إن ربك للذين فعلوا المعاصي في حال جهلهم لعاقبتها وإيجابها لسخط الله -فكل عاص لله مخطئًا أو متعمدًا فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالمًا بالتحريم-،ثم رجعوا إلى الله عمَّا كانوا عليه من الذنوب،وأصلحوا نفوسهم وأعمالهم،إن ربك -مِن بعد توبتهم وإصلاحهم- لَغفور لهم،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62) سورة النــور
    إنما المؤمنون حقًا هم الذين صدَّقوا الله ورسوله،وعملوا بشرعه،وإذا كانوا مع النبي r على أمر جمعهم له في مصلحة المسلمين،لم ينصرف أحد منهم حتى يستأذنه،إن الذين يستأذنونك - أيها النبي - هم الذين يؤمنون بالله ورسوله حقًا،فإذا استأذنوك لبعض حاجتهم فَأْذَن لمن شئت ممن طلب الإذن في الانصراف لعذر،واطلب لهم المغفرة من الله.إن الله غفور لذنوب عباده التائبين،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(268) } سورة البقرة
    يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلال الطيب الذي كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الأرض،ولا تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء،ولو أُعطِيتموه لم تأخذوه إلا إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة ونقص.فكيف ترضون لله ما لا ترضونه لأنفسكم؟ واعلموا أن الله الذي رزقكم غني عن صدقاتكم،مستحق للثناء،محمود في كل حال.
    هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يخوفكم الفقر،ويغريكم بالبخل،ويأمركم بالمعاصي ومخالفة الله تعالى،والله سبحانه وتعالى يعدكم على إنفاقكم غفرانًا لذنوبكم ورزقا واسعا.والله واسع الفضل،عليم بالأعمال والنيَّات.
    ثانيا: أمر اللّه بالاستغفار:
    قال تعالى :{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (199) سورة البقرة
    وليكن اندفاعكم من "عرفات" التي أفاض منها إبراهيم عليه السلام مخالفين بذلك من لا يقف بها من أهل الجاهلية،واسألوا الله أن يغفر لكم ذنوبكم.إن الله غفور لعباده المستغفرين التائبين،رحيم بهم.
    وقال تعالى:{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) }سورة آل عمران
    وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة،عرضها السموات والأرض،أعدها الله للمتقين.
    وقال تعالى :{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) } سورة النساء
    إنا أنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن مشتملا على الحق; لتفصل بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك،وبَصَّرك به،فلا تكن للذين يخونون أنفسهم -بكتمان الحق- مدافعًا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة.
    واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك،إن الله تعالى كان غفورًا لمن يرجو فضله ونوال مغفرته،رحيمًا به.
    وقال تعالى :{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) } سورة المائدة
    لقد كفر من النصارى من قال: إنَّ الله مجموع ثلاثة أشياء: هي الأب،والابن،وروح القدس.أما عَلِمَ هؤلاء النصارى أنه ليس للناس سوى معبود واحد،لم يلد ولم يولد،وإن لم ينته أصحاب هذه المقالة عن افترائهم وكذبهم ليُصِيبَنَّهم عذاب مؤلم موجع بسبب كفرهم بالله.
    أفلا يرجع هؤلاء النصارى إلى الله تعالى،ويتولون عمَّا قالوا،ويسألون الله تعالى المغفرة؟ والله تعالى متجاوز عن ذنوب التائبين،رحيمٌ بهم
    وقال تعالى:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ(53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) } سورة غافر
    ولقد آتينا موسى ما يهدي إلى الحق من التوراة والمعجزات،وجعلنا بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفًا عن سلف،هادية إلى سبيل الرشاد،وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
    فاصبر -أيها الرسول- على أذى المشركين،فقد وعدناك بإعلاء كلمتك،ووعْدُنا حق لا يتخلف،واستغفر لذنبك،ودُمْ على تنزيه ربك عمَّا لا يليق به،في آخر النهار وأوله.
    وقال تعالى :{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} (6) سورة فصلت
    قل لهم -أيها الرسول-:إنما أنا بشر مثلكم يوحي الله إليَّ أنما إلهكم الذي يستحق العبادة،إله واحد لا شريك له،فاسلكوا الطريق الموصل إليه،واطلبوا مغفرته.وعذاب للمشركين الذين عبدوا من دون الله أوثانًا لا تنفع ولا تضر،والذين لم يطهروا أنفسهم بتوحيد ربهم،والإخلاص له،ولم يصلُّوا ولم يزكَّوا،فلا إخلاص منهم للخالق ولا نفع فيهم للخلق،وهم لا يؤمنون بالبعث،ولا بالجنة والنار،ولا ينفقون في طاعة الله.
    وقال تعالى :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد
    فاعلم -أيها النبي- أنه لا معبود بحق إلا الله،واستغفر لذنبك،واستغفر للمؤمنين والمؤمنات.والله يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارًا،ومستقركم في نومكم ليلا.
    وقال تعالى :{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (20) سورة المزمل
    إن ربك -أيها النبي- يعلم أنك تقوم للتهجد من الليل أقل من ثلثيه حينًا،وتقوم نصفه حينًا،وتقوم ثلثه حينًا آخر،ويقوم معك طائفة من أصحابك.والله وحده هو الذي يقدِّر الليل والنهار،ويعلم مقاديرهما،وما يمضي ويبقى منهما،علم الله أنه لا يمكنكم قيام الليل كله،فخفَّف عليكم،فاقرؤوا في الصلاة بالليل ما تيسر لكم قراءته من القرآن،علم الله أنه سيوجد فيكم مَن يُعجزه المرض عن قيام الليل،ويوجد قوم آخرون يتنقَّلون في الأرض للتجارة والعمل يطلبون من رزق الله الحلال،وقوم آخرون يجاهدون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمته ونشر دينه،فاقرؤوا في صلاتكم ما تيسَّر لكم من القرآن،وواظبوا على فرائض الصلاة،وأعطوا الزكاة الواجبة عليكم،وتصدَّقوا في وجوه البر والإحسان مِن أموالكم؛ ابتغاء وجه الله،وما تفعلوا مِن وجوه البر والخير وعمل الطاعات،تلقَوا أجره وثوابه عند الله يوم القيامة خيرًا مما قدَّمتم في الدنيا،وأعظم منه ثوابًا،واطلبوا مغفرة الله في جميع أحوالكم،إن الله غفور لكم رحيم بكم.
    ثالثا: دعوة الأنبياء والصالحين أقوامهم للاستغفار:
    قال تعالى:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (4) } سورة يونس
    هذا الكتاب الذي أنزله الله على محمد r أُحكمت آياته من الخلل والباطل،ثم بُيِّنت بالأمر والنهي وبيان الحلال والحرام من عند الله،الحكيم بتدبير الأمور،الخبير بما تؤول إليه عواقبها.
    وإنزال القرآن وبيان أحكامه وتفصيلها وإحكامها; لأجل أن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له.إنني لكم -أيها الناس- من عند الله نذير ينذركم عقابه،وبشير يبشِّركم بثوابه.
    واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم،ثم ارجعوا إليه نادمين يمتعْكم في دنياكم متاعًا حسنًا بالحياة الطيبة فيها،إلى أن يحين أجلكم،ويُعطِ كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضله كاملا لا نقص فيه،وإن تعرضوا عمَّا أدعوكم إليه فإني أخشى عليكم عذاب يوم شديد،وهو يوم القيامة.وهذا تهديد شديد لمن تولَّى عن أوامر الله تعالى وكذَّب رسله.
    إلى الله رجوعكم بعد موتكم جميعًا فاحذروا عقابه،وهو سبحانه قادر على بعثكم وحشركم وجزائكم.
    وقال تعالى :{يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} سورة هود
    يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله وترك عبادة الأوثان أجرًا،ما أجري على دعوتي لكم إلا على الله الذي خلقني،أفلا تعقلون فتميِّزوا بين الحق والباطل؟
    ويا قوم اطلبوا مغفرة الله والإيمان به،ثم توبوا إليه من ذنوبكم،فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا،فتكثر خيراتكم،ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم،ولا تُعرضوا عما دعوتكم إليه مصرِّين على إجرامكم.
    وقال تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } (61) سورة هود
    وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا،فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا،فأخلصوا له العبادة،هو الذي بدأ خَلْقكم من الأرض بخلق أبيكم آدم منها،وجعلكم عُمَّارا لها،فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم،وارجعوا إليه بالتوبة النصوح.إن ربي قريب لمن أخلص له العبادة،ورغب إليه في التوبة،مجيب له إذا دعاه.
    وقال تعالى:{وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) } سورة هود
    ويا قوم لا تحملنَّكم عداوتي وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه على العناد والإصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله،فيصيبكم مثلُ ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح من الهلاك،وما قوم لوط وما حلَّ بهم من العذاب ببعيدين عنكم لا في الدار ولا في الزمان.
    واطلبوا من ربِّكم المغفرة لذنوبكم،ثم ارجعوا إلى طاعته واستمروا عليها.إن ربِّي رحيم كثير المودة والمحبة لمن تاب إليه وأناب،يرحمه ويقبل توبته.وفي الآية إثبات صفة الرحمة والمودة لله تعالى،كما يليق به سبحانه.
    وقال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) } سورة نوح
    إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ وَقُلْنَا لَهُ:أَنْذِرْ قَوْمَكَ بَأْسَ اللهِ وَعَذَابَهُ،قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَذَابُ اللهِ الأَلِيمُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ .
    فَقَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ:يَا قَوْمِ إِنِّي نَذَيرٌ جِئْتُ لأُبَيِّنَ لَكُم رِسَالَةَ رَبِّكُمْ بِلْغَةٍ تَعْرِفُونَهَا،وَلأَنْذِرَكُمْ عَذَابَ اللهِ،فَاحْذَرُوهُ أَنْ يُنْزِلَهُ بِكُمْ بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ بِهِ .
    وَقَدْ أَمَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ بِثَلاَثَةِ أَشْيَاءٍ:
    - بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ .
    - وَبِتَقْوَى اللهِ،وَالخَوْفِ مِنْ عَذَابِهِ،وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ .
    - وَبِإِطَاعَةِ نُوحٍ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ،وَفِيمَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ .
    وَوَعَدَهُمْ،إِنْ فَعَلُوا مَا أَمْرَهُمْ بِهِ،بِأَنَّ اللهَ سَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ،وَأَنَّهُ سَيُسَامِحُهُمْ عَمَّا فَرَطَ مِنْهُمْ مِنْ زَلاَّتٍ،وَأَنَّهُ تَعَالَى سَيَمُدُّ فِي أَعْمَارِهِمْ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ جَعَلَهُ غَايَةً لِطُولِ العُمْرِ .
    ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ نُوحٌ أَنَّ أَجَلَ اللهِ،الذِي كَتَبَهُ فِي أَمِّ الكِتَابِ،إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ مِيقَاتُهُ،وَلَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الخَزْيِ،والنَّدَامَةِ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ لَسَارَعُوا إِلَى الإِيْمَانِ والطَّاعَةِ .
    فَلَمَّا كَذَّبَ نُوحاً قَوْمُهُ،وَهَدَّدُوهُ بِالرَّجْمِ،إِنْ لَمْ يَكُفَّ عَنْ دَعْوَتِهِمْ إِلَى اللهِ،وَعَنْ أَمْرِهِمْ بِالخَيْرِ،اشْتَكَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى رَبِّهِ مِمَّا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ خِلاَلَ مُدَّةِ لُبْثِهِ فِيهِمْ - وَهِيَ تِسْع مئةٍ وَخَمْسُونَ عَاماً - فَقَالَ:يَا رَبِّ إِنِّنِي دَعَوْتُ قَوْمِي إِلَى عِبَادَتِكَ،وَالإِيْمَانِ بِكَ،لَيْلاً وَنَهَاراً،وَلَمْ أَكُفَّ عَنْ ذَلِكَ امْتِثَالاً لأَمْرِكَ .وَكُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِيَقْتَرِبُوا مِنَ الحَقِّ،فَرُّوا مِنْهُ وَابْتَعَدُوا عَنْهُ .
    وَإِنَّنِي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى الإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِكَ،وَإِلَى العَمَلِ بِمَا يُرْضِيكَ،لِتَغْفِرَ لَهُمْ ذُنُوبِهُمْ،سَدُّوا آذَانَهُمْ بِأَصَابِعِهِمْ لِكَيْلاَ يَسْمَعُوا مَا أَقُولُهُ لَهُمْ مِنْ دَعْوَةِ الحَقِّ،وَتَغَطَّوْا بِثِيَابِهِمْ،لِكَيْلاَ يَنْظُرُوا إِلَيَّ كُرْهاً وَمَقْتاً،وَاسْتَرْسَلُوا فِي الكُفْرِ وَالمَعَاصِي،وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ الإِذْعَانِ لِلْحَقِّ،وَقَبُولِ مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيهِ مِنَ النَّصْحِ .
    رابعا: الاستغفار من صفات الأنبياء والصالحين:
    قال تعالى:{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) } سورة البقرة
    صدَّق وأيقن رسول الله محمد r بما أوحي إليه من ربه وحُقَّ له أن يُوقن،والمؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن العظيم،كل منهم صدَّق بالله رباً وإلهًا متصفًا بصفات الجلال والكمال،وأن لله ملائكة كرامًا،وأنه أنزل كتبًا،وأرسل إلى خلقه رسلا لا نؤمن -نحن المؤمنين- ببعضهم وننكر بعضهم،بل نؤمن بهم جميعًا.وقال الرسول والمؤمنون: سمعنا يا ربنا ما أوحيت به،وأطعنا في كل ذلك،نرجو أن تغفر -بفضلك- ذنوبنا،فأنت الذي ربَّيتنا بما أنعمت به علينا،وإليك -وحدك- مرجعنا ومصيرنا.
    دين الله يسر لا مشقة فيه،فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه،فمن فعل خيرًا نال خيرًا،ومن فعل شرّاً نال شرّاً.ربنا لا تعاقبنا إن نسينا شيئًا مما افترضته علينا،أو أخطأنا في فِعْل شيء نهيتنا عن فعله،ربَّنا ولا تكلفنا من الأعمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لهم،ربنا ولا تُحَمِّلْنَا ما لا نستطيعه من التكاليف والمصائب،وامح ذنوبنا،واستر عيوبنا،وأحسن إلينا،أنت مالك أمرنا ومدبره،فانصرنا على مَن جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك،وكذَّبوا نبيك محمدًا r ،واجعل العاقبة لنا عليهم في الدنيا والآخرة.
    وقال تعالى :{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) } سورة آل عمران
    كثير من الأنبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم،فما ضعفوا لِمَا نزل بهم من جروح أو قتل; لأن ذلك في سبيل ربهم،وما عَجَزوا،ولا خضعوا لعدوهم،إنما صبروا على ما أصابهم.والله يحب الصابرين.
    وما كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا،وما وقع منا مِن تجاوزٍ في أمر ديننا،وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا،وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك.
    فأعطى الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم،وبالتمكين لهم في الأرض،وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة،وهو جنات النعيم.والله يحب كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه.
    وقال تعالى:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) } سورة آل عمران
    إن في خلق السموات والأرض على غير مثال سابق،وفي تعاقُب الليل والنهار،واختلافهما طولا وقِصَرًا لدلائل وبراهين عظيمة على وحدانية الله لأصحاب العقول السليمة.
    الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم،وهم يتدبرون في خلق السموات والأرض،قائلين: يا ربنا ما أوجدت هذا الخلق عبثًا،فأنت منزَّه عن ذلك،فاصْرِف عنا عذاب النار.
    يا ربنا نجِّنا من النار،فإنك -يا ألله- مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته،وما للمذنبين الظالمين لأنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب الله يوم القيامة.
    يا ربنا إننا سمعنا مناديا -هو نبيك محمد r - ينادي الناس للتصديق بك،والإقرار بوحدانيتك،والعمل بشرعك،فأجبنا دعوته وصدَّقنا رسالته،فاغفر لنا ذنوبنا،واستر عيوبنا،وألحقنا بالصالحين.
    وقال تعالى :{ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) } سورة الأعراف
    ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة،فكُلا من ثمارها حيث شئتما،ولا تأكلا من ثمرة شجرة(عَيَّنها لهما)،فإن فعلتما ذلك كنتما من الظالمين المتجاوزين حدود الله.
    فألقى الشيطان لآدم وحواء وسوسة لإيقاعهما في معصية الله تعالى بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها; لتكون عاقبتهما انكشاف ما سُتر من عوراتهما،وقال لهما في محاولة المكر بهما: إنما نهاكما ربكما عن الأكل مِن ثمر هذه الشجرة مِن أجل أن لا تكونا ملَكين،ومِن أجل أن لا تكونا من الخالدين في الحياة.
    وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة،وهو كاذب في ذلك.
    فجرَّأهما وغرَّهما،فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها،فلما أكلا منها انكشفت لهما عوراتهما،وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة،فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما،وناداهما ربهما جل وعلا ألم أنهكما عن الأكل من تلك الشجرة،وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وفي هذه الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور،وأنه كان ولم يزل مستهجَنًا في الطباع،مستقبَحًا في العقول.
    قال آدم وحواء: ربنا ظلمنا أنفسنا بالأكل من الشجرة،وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن ممن أضاعوا حظَّهم في دنياهم وأخراهم.(وهذه الكلمات هي التي تلقاها آدم من ربه،فدعا بها فتاب الله عليه).
    قال تعالى مخاطبًا آدم وحواء لإبليس: اهبطوا من السماء إلى الأرض،وسيكون بعضكم لبعض عدوًا،ولكم في الأرض مكان تستقرون فيه،وتتمتعون إلى انقضاء آجالكم.
    وقال تعالى :{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} (155) سورة الأعراف
    واختار موسى من قومه سبعين رجلا مِن خيارهم،وخرج بهم إلى طور "سيناء" للوقت والأجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل،فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك -يا موسى- حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلَّمته فأرِنَاهُ،فأخذتهم الزلزلة الشديدة فماتوا،فقام موسى يتضرع إلى الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم،وقد أهلكتَ خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جميعًا من قبل هذا الحال وأنا معهم،فإن ذلك أخف عليَّ،أتهلكنا بما فعله سفهاء الأحلام منا؟ ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إلا ابتلاءٌ واختبارٌ،تضلُّ بها مَن تشاء مِن خلقك،وتهدي بها من تشاء هدايته،أنت وليُّنا وناصرنا،فاغفر ذنوبنا،وارحمنا برحمتك،وأنت خير مَن صفح عن جُرْم،وستر عن ذنب.
    وقال تعالى :{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) } سورة هود
    ونادى نوح ربه فقال: رب إنك وعَدْتني أن تنجيني وأهلي من الغرق والهلاك،وإن ابني هذا من أهلي،وإن وعدك الحق الذي لا خُلْف فيه،وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم.
    قال الله: يا نوح إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم; وذلك بسبب كفره،وعمله عملا غير صالح،وإني أنهاك أن تسألني أمرًا لا علم لك به،إني أعظك لئلا تكون من الجاهلين في مسألتك إياي عن ذلك.
    قال نوح: يا رب إني أعتصم وأستجير بك أن أسألك ما ليس لي به علم،وإن لم تغفر لي ذنبي،وترحمني برحمتك،أكن من الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا.
    وقال تعالى:{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) } سورة ص
    وَهَلْ جَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرُ ذَلِكَ النَّبَإِ العَجِيبِ،نَبَأ الخُصُومِ الذِينَ تَسَلَّقُوا سُورَ الغُرْفَةِ التِي كَانَ دَاوُدُ يَتَعَبَّدُ رَبَّهُ فِيهَا ( المِحْرَابَ )،وَدَخَلُوا عَلَيْهِ مِنَ السُّورِ،لاَ مِنَ البَابِ،وَهُوَ مُنْشَغِلٌ بِالعِبَادَةِ؟
    وَقَدْ دَخَلَ الخَصْمَانِ عَلَى دَاوُدَ وَهُوَ مُنْشَغِلٌ بِالعِبَادَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ،وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَخْرُجَ هُوَ إِلَى النَّاسِ،فَخَافَ هُوَ مِنَ الدَّاخِلَيْنِ عَلَيْهِ بِالتَّسَوُّرِ لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ بِالتَّسَوُّرِ إِلاَّ مَنْ أَرَادَ شَرّاً،فَطَمْأَنَهُ الخَصْمَانِ،وَقَالاَ لَهُ إِنَّهُمَا خَصْمَانِ تَجَاوَزَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ،وَقَدْ جَاءَا إِلَيْهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالحَقِّ والعَدْلِ،وَطَلَبَا إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَجُورَ فِي حُكْمِهِ،وَأَنْ يَهْدِيَهُمَا إِلَى الحُكْمِ السَّوِيِّ العَادِلِ .
    وَقَالَ أَحَدُ الخَصْمَينِ لِدَاوُدَ:إِنَّهُ يَمْلِكُ شَاةً وَاحِدَةً وَإِنَّ صَاحِبَهُ يَمْلِكُ تِسْعاً وَتِسْعِينَ شَاةً ( نَعْجَةً )،فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ مَالِكُ النِّعَاجِ الكَثِيرَةِ:أَعْطِنِي نَعْجَتَكَ لأَضُمَّهَا إِلَى نِعَاجِي،وَأْكْفُلَهَا لَكَ،وَغَلَبَنِي فِي المُحَاجَّةِ،لأَنَّهُ جَاءَ بِحُجَجٍ - لَمْ أَسْتَطِعْ لَهَا دَفْعاً .
    فَقَالَ دَاوُدُ لِلْمُتَكَلِّمِ مِنَ الخَصْمَين:إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ ظَلَمَكَ وَجَارَ عَلَيْكَ إِذْ طَلَبَ مِنْكَ نَعْجَتَكَ الوَحِيدَةَ لِيَضُمَّهَا إِلَى نِعَاجِهِ.وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ الذِينَ يَتَعَامَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَجورُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَثْنَاءَ التَعَامُلِ،إِلاَّ المُتَقَّينَ الصَّالِحِينَ،فَهؤُلاَءِ يُرَاقِبُونَ الله وَيَخْشَوْنَهُ،وَيَمْتَنِعُونَ عَنِ الظُّلْمِ والجَورِ وَلكِنَّ هَؤُلاَءِ قَلِيلُونَ .
    وَيَبْدُو أَنَّ دَاودَ،عَلَيْهِ السَّلامَ،أَصْدَرَ حُكْمَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ حُجَّةَ الخَصْمِ الآخَر،إِذْ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهَا فَقَدْ يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ فِي النِّزَاعٍ،مَعَ أَنَّ الحَكَمَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُسْتَثَارَ،وَأَنْ لاَ يُؤْخَذَ بِظَاهِرِ القَوْلِ،وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَحَ الخَصْمَ الآخَرَ فُرْصَةً لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ،وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُمَحِّصَ وَيُدَقِّقَ فِيمَا يَعْرِضُه الخُصُومُ عَلَيْهِ لِكَيْلاَ يَصْدُرَ حُكْمُهُ عَنْ هَوىً وَانْفْعَالٍ .
    وَلَمَّا تَوَارَى الخَصْمَانِ - وَيَبْدُوا أَنَّهُمَا كَانَا مَلَكَيْنِ مُرْسَلَينِ إِلَيْهِ مِن اللهِ تَعَالَى - أَدْرَكَ دَاوُدُ أَنَّ اللهَ أَرَادَ اخْتِبَارَهُ وَفِتْنَتَهُ،فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ،وَخَرَّ سَاجِداً تَائِباً .
    فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ،وَغَفَرَ لَهُ تَسَرُّعَهُ فِي الحُكْمِ،وَسَتَكُونُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ قُرْبَةٌ يُقَرِّبُهُ اللهُ بِهَا،وَسَيَكُونُ لَهُ حُسْنُ مَرْجِعٍ،لِتَوْبَتِهِ وَعَدْلِهِ التَّامِ فِي مُلْكِهِ .
    وَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِدَاوُدَ:إِنَّهُ جَعَلَهُ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ،نَافِذَ الكَلِمَةِ والحُكْمِ بَينَ الرَّعِيَّةِ،فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ،وَأَنْ لاَ يَتَّبعَ الهَوَى لأَنَّ اتِّبَاعَ الهَوَى يَكُونُ سَبَباً لِلضَّلاَلَةِ وَالجَوْرِ عَنِ الطَّرِيقِ القَويمِ الذِي شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى .
    ثَمَّ يَقُولُ تَعَالَى:إِنَّ الذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَهُدَاهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ( يَوْمَ الحِسَابِ ) عَذَابٌ شَدِيدٌ لِنِسْيَانِهِمْ ذَلِكَ اليَومَ،وَإِنَّ الله سَيُحَاسِبُ العِبَادَ فِيهِ عَلَى أَعَمَالِهِمْ جَمِيعاً،صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا .
    وقال تعالى:{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) } سورة ص
    ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد،وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه،وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله،ولم يقل: إن شاء الله،فطاف عليهن جميعًا،فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد،ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب،قال: رب اغفر لي ذنبي،وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي،إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء.فاستجبنا له،وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.
    فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً،كُلُّهُنَّ تَأْتِى بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ.فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا،فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ،جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ،وَايْمُ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.لَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ » .
    وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (Cool سورة التحريم
    يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه،ارجعوا عن ذنوبكم إلى طاعة الله رجوعا لا معصية بعده،عسى ربكم أن يمحو عنكم سيئات أعمالكم،وأن يدخلكم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار،يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه،ولا يعذبهم،بل يُعلي شأنهم،نور هؤلاء يسير أمامهم وبأيمانهم،يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا حتى نجوز الصراط،ونهتدي إلى الجنة،واعف عنَّا وتجاوز عن ذنوبنا واسترها علينا،إنك على كل شيء قدير.
    خامسا: الاستغفار يكون للنفس وللغير:
    قال تعالى :{ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) } سورة آل عمران
    ولئن قُتِلتم -أيها المؤمنون- وأتم تجاهدون في سبيل الله أو متم في أثناء القتال،ليغفرن الله لكم ذنوبكم،وليرحمنكم رحمة من عنده،فتفوزون بجنات النعيم،وذلك خير من الدنيا وما يجمعه أهلها.
    ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا،فمتم على فُرُشكم،أو قتلتم في ساحة القتال،لإلى الله وحده تُحشرون،فيجازيكم بأعمالكم.
    فبرحمة من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم،ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب،لانْصَرَفَ أصحابك من حولك،فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة "أُحد"،واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم،وشاورهم في

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:40 pm